موقع جريدة صوت العرب اللندنية الصادرة في لندن موقع جريدة صوت العرب اللندنية الصادرة في لندن
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...

الخصائص الفنية في المجموعة القصصية سراديب الضياع” سفيان العلالي

 الخصائص الفنية في المجموعة القصصية


سراديب الضياع” سفيان العلالي للقاص محمد الودير في المقدمة: أضحت القصة القصيرة، باعتبارها جنسا نثريا أدبيا حديثا له خصائصه ومقوماته، تفرض نفسها في الساحة الأدبية، فهي التقاط للُحيْظات قصيرة من لحظات الوجود الإنساني في بيئة زمكانية محددة، عن طريق تكثيف الأحداث وتضمينها دلالات وتأويلات متعددة. ونشير في هذا السياق، إلى أننا سنحاول ملامسة الجانب النظري في هذه الدراسة، بل سنسعى إلى رصد الخصائص الفنية في المجموعة القصصية المعنونة ب "سراديب الضّياع"، للقاص محمد الودير، والصادرة سنة 2020، عن دار ديوان العرب للنشر والتوزيع بمصر، والتي تتكون من عشرين قصة تتأرجح بين حجم صغير وكبير، وردت في أربعة وثمانين صفحة. - في العنوان: تمثل عتبة العنوان تعريضا للقصص، كما تشكل بنيات دلالية كبرى تساعد القارئ على فهم دلالات القصص المتضمنة في المؤلف. فكلمة "سراديب" التي ضُمّنت في بنية العنوان، قد تفي بشرح ما تبقى منه؛ والسراديب جمع من سرداب تعني تلك الغرف أو البيوت التي تكون تحت الأرض، والسراديب نوعان: علوي وسفلي، وكثيرا ما تكون السراديب لدى الأثرياء، تبنى للوقاية من حرّ الصيف، دليلا على الرغبة في الاستمرارية والبعث والتجدّد في الحياة، وكذا الإصرار والعزيمة على تكرار الفعل نفسه. يمثل حضور السراديب في المجموعة، صورة من صور أحوال الحياة الإنسانية في الوجود؛ لأن السرداب يعني ذلك البيت أو المخبأ الذي يلجأ إليه الشخص، علاوة على أن الكاتب اختار هذا العنوان تعبيرا عن الضياع النفسي الذي يعيشه الإنسان بمختلف أنواعه، معبّرا عن ذلك بلغة تبليغية إفصاحيهة. ومن هنا تحضر كلمة السراديب باعتبارها تحدّ للحياة الإنسانية و أكثر إصرار وإقبال إلى ما لا نهاية. - التيمات البارزة في المجموعة: يعني الفقد الضياع والاختفاء، كما يعني أيضا الخسران والحاجة إلى الشيء، سواء أكان الشيء مادّيا أو معنويا حسّيا، ونسجّل هنا العلاقة الرابطة بين العنوان ودلالاته، وبينها وبين الموضوعات المتناولةُ في المجموعة. تضم المجموعة القصصية المذكورة أعلاه جملة من التّيمات، التي من شأنها أن تسهم بشكل كبير في تغيير أجواء الحياة الإنسانية، إما من فرح إلى قرح، أو العكس، ولعل القيمة التي ـ نفترض أنها توجد جلية في أغلب الكتابات إن لم نجزم أنها موجودة في كل الكتابات بمختلف أشكالها وأنواعها ـ تطغى في هذه المجموعة القصصية هي الفقد، وإذ إن الفقد بنيوي في الإنسان منذ أن يولد، فلابد لكلّ من يبتغ الكتابة أو يتّخذها نهجا وسبيلا في التعبير عما يتحشرج في أعماق قلبه، أن يعبّر عن الفقد بطرق شتّى، كالضياع النفسي المعنوي والمادي، ومن بين الموضوعات التي عبّر بها القاص عن قيمة الفقد، نذكر على سبيل التمثيل لا الحصر : البطالة، الفقر، التشرد، التسول، المعاناة، الموت، الحنين، الطفولة، الحب، المرض، الخيانة، الرحيل... () سعى من خلالها المؤلِّف إلى تصوير الحياة المتذبذبة التي تعيشها الذات الإنسانية، إمّا بفعل العوامل و الأزمات الاجتماعية والاقتصادية (الفقر، البطالة، التشرد...)، وإمّا بفعل الشوق والحنين (الطفولة، الأحلام، الشباب،...) أو مشاكل اجتماعية أسرية (الخيانة الزوجية، الرحيل...)، أو باستحضار الرحيل الأبدي إلى الرفيق الأعلى باعتبار الموت زمنا نهائيا للحياة الإنسانية، وحتميةً تحسم الموقف فيها. - الشخوص: تعدّ الشخصية محرّكا من المحرّكات الأساسية والأصيلة، التي تسهم بشكل حاسم وفعّال في تحريك عجلات الأحداث، وضمان استمراريتها، فيستمر السّرد حينها، بالرغم من اختلاف حدّتها تبعَا لاختلاف قيمتها ونوعيتها، بين الرئيسية والثانوية، فمنها ما يستحضره الكاتب ويستدعيه، فقط لضمان السير لمنطق السرد، بينما نجد شخصيات موظفة تتوافق مع البيئة الزمانية والمكانية التي جرت فيها الأحداث، فعلى سبيل المثال في القصة الأولى “آلات متزلّفة” نجد الكاتب قد وظف شخصية الطفل كبطل للقصة، دلالة على الضياع الذي يعيشه الطفل في مجتمعه، الشيء نفسه بالنسبة لقصص أخرى، مثل ”اللعنة زوجتي تتحول” وأيضا “اتفاق مبهم” أيضا “اعقاب حياة” بمعنى أن الكاتب قد لا يسمّي البطل في كل قصة، بل ينعته فقط بصفات معينة، كالمضطرب، والمجنون، بل في قصص أخرى نجد الكاتب هو نفسه البطل في القصة، إذ يحكي عن جزء مهم من حياته الشخصية، كما في القصة “امتداد”، وبالتالي؛ فإن صاحب المجموعة هنا، قد اصطفى من الأبطال ما يخدم قصصه ويعبّر عن الضياع فيها، بكل دقّة وتفانٍ. استجابةً لزمان ومكان سرد الأحداث، وانصياعًا للظرفية أيضا وكذا الوضعية الاجتماعية. - التبئير: نسجّل هنالك حضورا بارزا للتبئير الداخلي في القصص؛ لأن السارد يرى الأحداث ويسردها من زاويته الخاصة، بل في افتراضنا السارد ملمٌّ بحالات وتحوّلات الشخصيات الفاعلة في سرد القصة. فالسارد نفسه هو من يبئّر للأحداث وينقلها كما رآها، كما نلحظ أيضا تنوّعا في التبئير داخل المجموعة، تبئير داخلي تابث، بمعنى السارد هو من يروي الأحداث ويعرب عنها، وتبئير داخلي متغير حيث تنوب إحدى شخصيات القصة عن السارد، كشخصية "البطل الذي تلقّى المكالمة" التي نابت عن السارد في تبئير شخصية "الزوج" في قصة “ اللّعنة زوجتي تتحول”. - الزمن في المجموعة: يعد الزمان من أهم مكونات السرد وتحديا من التحديات الكبرى للقارئ؛ إذ نجده متضمّنا ومختفيا بين منطق السرد، ويتيح للقاص أو الروائي أن يبني الشخصيات ويصنعها ويوزع الأدوار بينها، كما يجد القارئ صعوبة وضع تحديد زمن القصة بدقة، أي زمن القصة كما وقعت في الماضي، وزمن السرد أو الخطاب: يخضع الزمن في المجموعة القصصية، إلى الصيرورة والتّحول في بناء الحدث في القصة، إذ هناك جدلية قائمة بين الأزمنة وتنوعها في المجموعة؛ فقد وظف زمنا فيزيائيا إذ استعمل ألفاظا مثل (الصباح، المساء، الليل، النهار...) دلالة على أن بعض الأحداث وقعت في (الماضي)، أو يقفز إلى الكشف عن الواقع وتحليله (الحاضر)، أو يستعين بالاستشراف والتنبؤ المستقبل، والشيء نفسه بالنسبة للزمن الوجودي (النشأة، الموت...
Enter

Soufiane

El Allali Soufiane
، والزمن النفسي (الخوف، التيه، الحيرة، الشوق، الحنين، الحزن، الألم، ...). وبالتالي فإن الزمن يكتسي أهمية ذات طابع بليغ، إذ يسهم بشكل فعّال في سبك أحداث القصة وتماسكها. -المكان: تحتوي المجموعةُ أمكنة مختلفة ومتعددة، تختلف وتتعدد بتعدد القصص، وأفعال الشخصيات، إذا وقفنا عند المكان الأول فهو “السراديب” وهو عبارة عن أمكنة ربما يبتغي بها القاص ذكر الأماكن التي تشكل عائقا في الحياة ، حيث يضم تلك الغرف، أو البنايات التي تتيه فيها النفس وتضيع، مثل الحانة البئيسة، وهي مكان خاص بشرب الخمر، سوق السمك، وهو مكان يرغب من خلاله القاص أن يصف ضياع الطفل الفقير فيه... ما يطلعنا على أبعادٍ قيميةٍ (التيه، الاحتقار، التهميش، الطفولة، الصبا...)، قد نسجل أيضا حضور فضاء المدينة، إذ يضم كلّ من الشوارع، الأزقة، الأحياء، الحديقة... وينقل لنا: الهوة بين الفقراء والأغنياء، البخل، التيه، تقهقر القيم، هيمنة المادي على الإنساني...، وبهذا يكون القاص قد نجح إلى حدّ ما في توظيف الأمكنة التي من شأنها أن تنقل التعبير عن الضياع بصورة تميل إلى أن تكون الشاكلة التي ابتغى الكاتب أن يعبر بها وعنها. - مسار الأحداث: اتخذت الأحداث مسارا طبيعيا، ومنطقا سرديا، متعارف عليهما في بناء القصة القصيرة من حيث السّرد والخطاب، وهو نظام سبب ونتيجة، أو نتيجة وسبب اللذين يتبادلان المواقع إلى حين نهاية القصة، كما هو مجسد فس القصة الأولى "آلات متزلّفة" وبعض من القصص الأخرى. - أسلوب الحوار: نسجّل حضورا بارزا للحوار في المجموعة القصصية، إذ تكمن فيه مظاهر الصّراعات النفسية (الذاتية)، والاجتماعية بين الشخصيات، كما هو كامن في قصة "عودة من سراديب الضياع" ما خوّل للقاص يسرد أفكاره ويتصوّرها على لسان الشخصيات. - أسلوب الوصف: عمد الكاتب توظيف الوصف بغية وصف الحالة النفسية والاجتماعية للشخصيات، دلالة على أن الكاتب يعرف عن شخصياته الكثير من المواصفات والسمات، وتمتلك معرفة شبه دقيقة، كما أسّس القاص سرده على عنصر التشويق والإثارة؛ على سبيل التمثيل لا الحصر كما هو مجسّد في “أميرة أمازيغية” “هذه ليست حياتي” والبعض الآخر من القصص. في الخاتمة: نشير في النهاية إلى أن القاص قد ضمّن في المجموعة مختلف المقومات السردية القصصي، من حيث بناؤها الفنّي، وأيضا سردها، وكذا تشكيل وتشكّل دلالاتها بمختلف سياقاتها، كما لا تفوتنا الفرصة، في إبداء رأيينا الشخصي، وانطباعاتنا حول المجموعة في كلّيتها. وبالتالي نجد الكاتب قد: - اعتمد لغة سردية تعبيرية واضحة؛ - قد نوّع في الأزمنة التي وظفها، إذ في أحايين نجده يسترجع بعضا من الأحداث، وفي أخرى نرصد أنه قد استبق بعضها، وفي ثالثة يحذف بعض الأحداث، رغبة في إضفاء جمالية على الزمن القصصي؛ ـ كما أنه أيضا ـ من منظورنا ـ قد أحسن اختيار الأماكن، التي تحمل في طياتها بعضا من دلالات العنوان؛ ـ كما نسجّل أيضا أن القاصّ المغربيّ قد عمل بسلاسة في توظيف الأساليب، كالحوار، الوصف، مما ساهم في تلميع الكتابة. __ ملحوظة: يبقى كل ما جادت به أناملنا مجرّد محاولات، قصد بلوغ ما تكتنفه المجموعة القصصية السالفة الذكر من دلالات، وبغية الوقوف عند الجوانب الفنية للمجموعة عينها، كما نشير إلى أنّنا قد لا نُوفّق في رصد كلّ تجلّيات المقومات السردية في المجموعة، كما قد لا نعطيها حقّها من الدرس والتحليل

كاتب الموضوع

جريدة الدستور العراقي الجديد

1 تعليق على موضوع : الخصائص الفنية في المجموعة القصصية سراديب الضياع” سفيان العلالي

  • اضافة تعليق
  • شكرا جزيلا الأستاذة العزيزة الدكتورة شهلاء عبد الكريم الكاظمي على نشر وتوثيق الموضوع،كامل التحايا والتقدير.


    الأبتساماتأخفاء الأبتسامات



    التعليقات